زار قائد الجيش العماد جوزاف عون اليوم متحف الرئيس فؤاد شهاب - جونيه، تلبية لدعوة الرئيس العام للرهبانية المارونية الأباتي نعمة الله الهاشم، بحضور عدد من الشخصيات والفعاليات الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
وبعد كلمة ترحيبيّة للإعلامي بسّام برّاك، ألقى مؤسِّس المتحف الأب وديع السقيِّم كلمة أشاد فيها بمزايا الرئيس الراحل الذي أرسى قواعد بناء الدّولة، واضعاً المتحف بتصرّف الجيش لزيارته وتفقّد معالمه وإحياء الندوات والمحاضرات. وأكد أنه في خضمِّ هذه المرحلة الضبابيّة والتي تُلقي بثقلها الأمني والاقتصادي والاجتماعيّ، تبقى مؤسسة الجيش الضامن الوحيد للّبنانيين.
بعدها جال العماد عون في أرجاء المتحف مطَّلعاً على أبرز مقتنيات اللواء شهاب الشخصية التي استخدمها خلال حياته، ووقّع على السجل الذهبي، وتسلّم درعاً تذكارياً من الأباتي الهاشم، وزرع شجرة أرز حملت اسمه في باحة المتحف.
ألقى العماد جوزاف عون كلمة بالمناسبة قال فيها:
في حضرة هذا المكان العابق بتاريخ لبنان الجميل، الشاهد على ذكريات رجل أرسى برؤية استراتيجية، مفهوم الدولة من خلال بناء المؤسّسات، تقف الكلمات عاجزة عن ايفائه حقّه. هو القائد والرئيس الذي جمع بشخصه صفات القيادة والمسؤولية كما التواضع والإنسانية.
هو القائل بأن الاستقلال يُبنى. لا يؤخذ ولا يُعطى.
هو القائل بأن الجيش هو مدرسة الوحدة الوطنية بالتفكير والممارسة.
كلمات لا يزال صداها يتردّد حتى يومنا هذا، وبخاصة في الاستحقاقات المفصلية والمصيرية التي أحوج ما تكون الى استعادة هذه المواقف واستخلاص العبر منها.
وهنا، لا بدّ من توجيه كلمة شكر وتقدير للرهبانية اللبنانية المارونية والمدرسة المركزية في جونية على تحويل هذا المنزل الذي كاد يضيع في غياهب النسيان، إلى معلم تاريخي يحفظ إرث الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب، ويبقيه ذاكرة حيّة في نفوسنا ونفوس الأجيال القادمة. لا بل هي خطوة وطنية جريئة لتأريخ حقبة مهمّة من تاريخنا العسكري والسياسي.
نجح الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب في جعل المؤسسة العسكرية نموذجا وطنيا في الشرف والتضحية والوفاء، مؤسّسة عابرة للطوائف والمناطق.
حمل معه مناقبيته العسكرية وفكره المؤسّساتي الى بناء الدولة. وما أشبه الأمس باليوم، في ظل قيادة فخامة الرئيس العماد ميشال عون الذي سار على نهج الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب في بناء قدرات الجيش وتحديث مؤسّسات الدولة.
يؤسفنا ويؤلمنا، ونحن في حضرة مؤسّس الجيش وباني عقيدته، أن نشهد اليوم، ما يتعرّض له جيشنا من حملات تستهدف بنيته ومعنويات عسكرييه. لا نكشف سرّا، ولا نقول جديدا، بأن الجيش هو العمود الفقري للبنان، ولا نغالي اذا قلنا أنّه ضمانة أمنه واستقراره، وأنّ مهمّته لا تُختصر بزمن الحروب والصراعات فقط، لأن تحصين الاستقرار والسلام يتطلّب جهودا تفوق أحيانا متطلّبات الحروب. وربّما غاب عن بال البعض بغير قصد أو بقصد، أنه رغم الاستقرار الأمني الذي ننعم به حاليا، فالتحدّيات لا تزال كبيرة سواء عند حدودنا الشرقية والجنوبية والبحرية، أم في الداخل، وبالتالي فإن الوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي لا يزال بحاجة الى جهوزية كاملة والا فمن يتحمّل مسؤولية كشف أمن الوطن؟
وفي هذا الإطار نستذكر ما قاله الرئيس الراحل عام 1961 للضباط: "إنّ مهمّتكم النبيلة لا تنحصر في حماية الحدود وصدّ كل معتد غاشم فحسب، بل تتعداها الى الداخل حيث تعملون شعبا وجيشا متآزرين متكاتفين على صون وحدتنا".
لا شكّ في أن المؤسسة العسكرية، وهي جزء من البنية الاقتصادية اللبنانية، ليست بمنأى عن أي تقشّف قد يتطلّبه الوضع الاقتصادي، وقد كنّا السبّاقين اليه منذ فترة، اقتناعا منّا بأن المال العام هو أمانة، وعلينا المحافظة عليه. اعتمدنا منذ نحو عامين سياسة مالية مدروسة تحدّد النفقات وفقا للحاجات الضرورية فقط، رغم المتطلّبات الكثيرة نتيجة التحدّيات الداخلية والإقليمية، والتي تفرض جهوزية عسكرية قصوى وما يرتبط بها من أمور لوجستية وإدارية وطبّية. وأعدنا العام الماضي جزءا من موازنة الجيش الى خزينة الدولة.
لن نتوقّف عند تقييم النوايا أو محاسبتها، ولكن، ومنذ انطلاق مناقشة الموازنة التي بدت مجحفة بحق مؤسسةٍ أقسم عسكريوها على الولاء للوطن والوفاء لقسمهم بالذود عنه، تكشّفت نوايا استهداف طالت من هم في الخدمة الفعلية ومن تقاعدوا بعد أن قدّموا حياتهم خدمة لبزّة الشرف والتضحية والوفاء.
لم يُترك للجيش خيار تحديد نفقاته، وباتت أرقام موازنته مباحة ومستباحة من قبل القاصي والداني، وعرضة للتحليلات والنقاشات، وكأن المقصود إقناع الرأي العام بأن الجيش يتحمّل سبب المديونية العامة.
حتى ان توزيع مهام الجيش وتحديد الأفضلية في التدابير العسكرية أصبح مادة جدلية تتم مناقشتها على المنابر وفي الصالونات، علما أن قيادة الجيش هي وحدها من تقرّر ذلك، لا بل أكثر، فكل وحدات الجيش سواسية بالنسبة لها، لأن القتال يحتاج الى خدمة القتال، فجندي الحدود لا يمكنه تنفيذ مهمـّته بنجاح دون زميله في الطبابة واللوجستية والإدارة.
إنّ ما أنجزته المؤسسة العسكرية مؤخّرا في محاربة الفساد والرشاوى والتدّخلات في شؤونها الداخلية، وذلك برضى تام وتشجيع من قبل كل الأطراف والجهات السياسية، يجب تحصينه وحمايته واستثماره في خدمة لبنان ومستقبله. ولكن ما أفرزته الموازنة حتى الآن من منع التطويع بصفة جنود أو تلامذة ضباط ومنع التسريح، ينذر بانعكاسات سلبية على المؤسسة العسكرية بدءا من ضرب هيكليتها وهرميتها، مرورا بالخلل في توزانات الترقيات وهو أمر مخالف لقانون الدفاع.
إنّ ما ذُكر يؤسّس لسلوك متعمّد لتطويق المؤسّسة العسكرية بهدف إضعافها وضرب معنويات ضباطها وجنودها ومنعهم من الحصول على أبسط حقوقهم. حقوق العسكريين ليست منّة من أحد، واستهداف معنوياتهم هو جريمة ليس فقط بحقّهم إنما بحق الوطن.
إنّ معنويات هؤلاء الأبطال، العاملين بصمت، أهم من أي راتب أو رتبة، وخدمة وطنهم هو شرف. لن تنال من عزيمتهم أي مواقف مسيئة ولن تثنيهم عن خدمة وطنهم أي حملات تحريضية.
عهد ووعد منّا: لن نستكين. لن نرضى المس بحقوق ضباطنا وجنودنا، ولا بكرامتهم. كونوا على ثقة بأنّه لن تثنينا محاولات إضعاف المؤسّسة، من الضغط باتّجاه استمرار المطالبة بحقوقنا.
ختاما أشكر المدرسة المركزية على اهتمامها بإرث الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب، وأشكرها على دعوتي لزيارة المتحف الخاص به.